مقدمة عامة :
إن التأريخ للمكتبات الإسلامية تأريخ للفكر الإسلامي طوال حقبه المختلفة ، وذلك لأن الدور الذي لعبته المكتبات في تاريخ الحضارة ولا سيما في القرن الرابع الهجري جد وخطير ، فقد قامت هذه المكتبات بنشر الثقافة الإسلامية وتوطيد الصلات العلمية بين المسلمين وغيرهم من شعوب أوروبا ، فقد امتدت إشعاعات هذه المكتبات لتبدد دياجير الجهل التي رانت على عقول أهل هذه القارة خلال القرون الوسطى ، مما كان لها أكبر الأثر في بناء الفكر الأوربي وتوجيهه وجهة حضارية ، ما زال الأوروبيون إلى اليوم ينعمون بجني ثمارها .
وتشير روايات التاريخ الأندلسي إبان تلك الحقبة التاريخية أن مكتبة كبرى قد تكونت في قرطبة في عهدي الخليفتين عبد الرحمن الناصر الأموي وابنه الحكم المستنصر ، قد ضارعت في عظمتها وتأثيرها الثقافي أشهر مكتبات ذلك العصر في بغداد والإسكندرية والقيروان وغيرها من مكتبات ، وقد حظيت هذه المكتبة باعتناء الأمراء والخلفاء من بني أمية ، فكانوا يشجعون العلماء والأدباء وأرباب الفكر في أي مكان ، ويغدقون عليهم العطايا والهبات حتى تم لهم استقطاب كل حركة علمية أو فكرية بزغت في أي بلد من البلدان وشجعوا أهلها في الهجرة إلى الأندلس حتى غدت قرطبة خلال هذه الفترة مهرجانا علميا وثقافيا كبيرا يموج بالعلماء والأدباء والمفكرين في شتى المجالات .
فلا غرو إذا أن تحظى مكتبة الأمويين بدراسة موضوعية جادة توضح الأثر الحضاري الذي لعبته في ازدهار الحضارة التي نعم بها مسلمو الأندلس وفاضت بخيرها على شعوب أوربا ، متخطية كل الحواجز المكانية والعنصرية لتمديد العون لهذه الشعوب ، وتزيد من حصيلة إبداعها الفكري وتنشطه ، وتساهم بدورها الإنساني الفريد في دفع حركة التقدم الحضاري لشعوب الأرض والتي لا سبيل لها سوى نشر المعرفة وتنمية الصلات العلمية والودية بين الأمم والشعوب .
ومن هذا المنطلق انفتحت نوافذ الفكر الإسلامي في الأندلس أمام الشعوب الأوروبية ، وأقبل طلاب العلم وعشاق المعرفة للاغتراف من معينه والنهل من موارده التي لا تنضب ، وبدأت عملية الاحتكاك الثقافي والعلمي في أجمل صورها ، وتعددت وسائل التأثير والنقل العلمي في شتى مجالات العلم والمعرفة .
وكان لهذا الاحتكاك الثقافي والتأثر العلمي بثقافة المسلمين الراقية آثاره الواضحة ، والتي يمكن رصدها في تاريخ الفكر الأسباني خاصة ، والفكري الأوربي عامة حتى وقتنا الحالي ، وقد اعترف المنصفون من المفكرين والباحثين الأسبان وغيرهم بهذه الحقيقة التي لا مراء فيها .
وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة عامة ، وثلاثة مباحث وخاتمة على النحو التالي :
المبحث الأول : نشأة المكتبة وتطورها .
المبحث الثاني : تنظيم المكتبة ويضم :
( أ ) قسم الترجمة . ( ب ) قسم التدقيق . ( ج ) قسم الوراقين . ( د ) قسم الفهرسة . ( هـ ) قسم التأليف :
1 - برمجة التأليف . 2 - المنهج العلمي في التأليف .
المبحث الثالث : أثر المكتبة الفكري في شعوب غرب أوربا .
الخاتمة .